[size=21]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه أجمعين
من أهم الصفات والشمائل
التي يجب أن يتحلى بها العلماء الربانيون في هذه الأمة،.
هي صفة الإخلاص في طلب العلم وتعليمه ونشره بين الناس
، وهي الصفة التي تجعل العالم
لا يطلب بعلمه شيئًا من أمور الدنيا،
ويبتغي وجه الله عز وجل في كل كبيرة وصغيرة
من علمه وأقواله،
وبالمقابل فإن من أبرز صفات علماء السوء،
هي طلبهم الدنيا بالدين،
ففي ظل غياب الإخلاص عن قلب العالم،
نجد ممن ينتسب إلى العلم منغمسًا في الدنيا وشهواتها وملذاتها
، نجده يسترزق بعلمه،
ويطلب به المناصب والضياع والأموال
ويتحصل من الدنيا بعلمه على أكبر نصيب،
بل هو لم يسلك طريق العلم أصلاً
إلا لينال به من متاع الدنيا،
وهذا في شأنه قال خير البرية عليه الصلاة والسلام:
(من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إ
لا ليصيب به عرضًا من الدنيا،
لم يجد عرف الجنة يقوم القيامة)
صحيح البخاري (6159).
وصاحبنا هذه المرة من الصنف الأول،
من العلماء الربانيين الذين كانوا من أزهد الناس
وأتقاهم وأورعهم،
من العلماء العاملين الذين فروا من زخارف الدنيا
وفروا من المناصب،
وكانت الدنيا تتزين لهم فيرفضوها،
وتتعرض لهم فيطردوها،
وتلاحقهم فيفروا منها كما يفر الواحد من الأسد،
صاحبنا هذه المرة رفض الدنيا ومناصبها
وأبى أن يضع نفسه موضع الفتن والشبهات،
وأبت عليه نفسه أن يكون مطية للسلاطين والحكام
، وأصر على ذلك،
حتى راح ضحية ثباته وإصراره
على رفض المناصب والزخارف،
فصار إمامًا من أعظم أئمة الإسلام.
صاحبنا
هو
الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه ورحمه الله.
التعريف به:
هو الإمام المقدم وفقيه الإسلام
وعالم العراق وأستاذ مدرسة الرأي،
العلم العلامة والبحر الفهامة
أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى التيمي الكوفي،
ولم يكن أصلاً من العرب بل من أبناء الفرس،
ومن موالي بني تيم الله بن ثعلبة.
ولد أبو حنيفة سنة 80هـ بالكوفة
أي في حياة صغار الصحابة،
ولكن لم يثبت له أي رواية
ولا حرف واحد عن أحد منهم،
طلب العلم صغيرًا ولزم حلقة حماد بن أبي سليمان
ثماني عشرة سنة،
وقد آلى على نفسه ألا يفارق حمادًا
حتى يموت أو يستوفي منه كل علمه،
ومع شدة ملازمته لحماد بن أبي سليمان،
جلس لغيره من أئمة الزمان الأعلام
مثل عطاء بن أبي رباح عالم مكة وفقيهها،
والشعبي عالم العراق،
وعبد الرحمن بن هرمز عالم المدينة،
ونافع مولى ابن عمر،
وعلقمة والزهري محدث الزمان،
ومحمد بن المنكدر،
وهشام بن عروة، وغيرهم كثير،
ولم يكن يأنف أن يروي أو يطلب العلم
من أحد حتى ولو كان أصغر منه،
حتى إنه قد روى عن شيبان النحوي وهو أصغر منه،
وعن مالك بن أنس وهو كذلك،
وهكذا شأن كل من طلب المعالي وسلك سبيل الربانيين.
ولما مات حماد بن أبي سليمان سنة 120هـ
جلس أبو حنيفة مكانه في حلقة الدرس بجامع الكوفة
وكان وقتها في الأربعين من عمره،
وقد بلغ حد الكمال العلمي والذهني،
فتصدر وهو كهل وكان تاجرًا يعمل في بيع الخز،
فإذا قضى حاجته من التجارة جلس للعلم والتدريس
والإفتاء حتى فاق أهل زمانه جميعًا
وصار علمًا في الفقه وغيره،
وقد أرسى دعائم مدرسة الرأي في الفقه الإسلامي
وصار أستاذ القياس الأول بلا منازع.
خصاله:
لم يكن الإخلاص وحده أو الإعراض عن الدنيا
ومناصبها وزخارفها هو أهم ما يميز الإمام أبا حنيفة،
بل كان من رجالات الكمال في العلم والعمل،
موصوفًا بكل فضل، فلقد كان عالمًا عاملاً،
جمع بين العلم والعبادة،
فكان يصلي العشاء والصبح بوضوء واحد أغلب حياته،
يطيل الصلاة جدًا مع الخشوع والسكينة،
حتى لقب بالوتد لطول صلاته،
وكان ممن قرأ القرآن كله في ركعة
كما فعل ذلك من قبل عثمان رضي الله عنه،
وكان يحيي ليله كله تضرعًا وصلاة ودعاءً،
وقد تواتر هذا الأمر عنه عند أهل زمانه جميعًا.
أما عن مجالسه فلقد كان حليمًا وقورًا، هيوبًا،
لا يتكلم إلا جوابًا ولا يخوض رحمه الله فيما لا يعنيه،
كافًا لسانه عن النيل من خصومه
الذين كانوا يطيلون الكلام فيه بسبب الرأي،
معرضًا عن زلات الآخرين،
لا يجاري أحدًا فيما لا ينفع ولا يعني،
وقد جعل على نفسه إن حلف بالله صادقًا أن يتصدق بدينار،
وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها،
يكثر من الإنفاق على إخوانه وتلاميذه،
بل وأهالي تلاميذه.
وكان أبو حنيفة ورعًا تقيًا متحرزًا من مواطن الشبهة والظنة،
ولعل هذا الورع هو الذي أورثه محنته التي قضى فيها رحمه الله،
ولقد قال له رجل يومًا:
اتق الله،
فانتفض واصفرَّ وأطرق،
وقال: جزاك الله خيرًا ما أحوج الناس في كل وقت
إلى من يقول لهم مثل هذا.
[/size]