السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه أجمعين
ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ
عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
قَالَ اللَّهُ ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ
وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ
وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ
وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ )
هُوَ بِشْرُ بْنُ عُبَيْسٍ بِمُهْمَلَةِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرًا
بْنُ مَرْحُومِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مِهْرَانَ الْعَطَّارُ
فَنُسِبَ إِلَى جَدِّهِ ,
وَهُوَ شَيْخٌ بَصْرِيٌّ مَاأَخْرَجَ عَنْهُ مِنْ السِّتَّةِ إِلَّا الْبُخَارِيَّ , وَقَدْ أَخْرَجَحَدِيثَهُ هَذَا فِي الْإِجَارَةِ
عَنْ شَيْخٍ آخَرَ وَافَقَ بِشْرًا فِي رِوَايَتِهِ لَهُ عَنْ شَيْخِهِمَا .
قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ )
بِالتَّصْغِيرِ هُوَ الطَّائِفِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ ,
وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ مَوْصُولًا سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ ,
وَذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ ,
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ إِنَّمَا وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ خَاصَّةً ,
وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ رِوَايَتِهِ ,
وَاتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ
مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ,
وَخَالَفَهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ فَقَالَ "
عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ "
قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْمَحْفُوظُ قَوْلُ الْجَمَاعَةِ .
قَوْلُهُ : ( ثَلَاثَةٌ : أَنَا خَصْمُهُمْ )
زَادَ اِبْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ " وَمَنْ كُنْت خَصْمَهُ خَصَمْته "
قَالَ اِبْنُ التِّينِ :
هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَصْمٌ لِجَمِيعِ الظَّالِمِينَ
إِلَّا أَنَّهُ أَرَادَ التَّشْدِيدَ عَلَى هَؤُلَاءِ بِالتَّصْرِيحِ ,
وَالْخَصْمُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى الِاثْنَيْنِ
وَعَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ,
وَقَالَ الْهَرَوِيُّ الْوَاحِدُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ ,
وَقَالَ الْفَرَّاءُ الْأَوَّلُ قَوْلُ الْفُصَحَاءِ ,
وَيَجُوزُ فِي الِاثْنَيْنِ خَصْمَانِ وَالثَّلَاثَةِ خُصُومٌ .
قَوْلُهُ : ( أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ )
كَذَا لِلْجَمِيعِ عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ وَالتَّقْدِيرُ
أَعْطَى يَمِينَهُ بِي أَيْ عَاهَدَ عَهْدًا وَحَلَفَ عَلَيْهِ بِاللَّهِ ثُمَّ نَقَضَهُ .
قَوْلُهُ : ( بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ )
خَصَّ الْأَكْلَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَقْصُودٍ ,
وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا " ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُمِنْهُمْ صَلَاةٌ " فَذَكَرَ فِيهِمْ "
وَرَجُلٌ اِعْتَبَدَ مُحَرَّرًا "
وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِفِي الْفِعْلِ وَأَخَصُّ مِنْهُ فِي الْمَفْعُولِ بِهِ , قَالَالْخَطَّابِيُّ : اِعْتِبَادُ الْحُرِّ يَقَعُ بِأَمْرَيْنِ :
أَنْ يَعْتِقَهُ ثُمَّ يَكْتُمَ ذَلِكَ أَوْ يَجْحَدَ ,
وَالثَّانِي أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ كُرْهًا بَعْدَ الْعِتْقِ ,
وَالْأَوَّلُ أَشَدُّهُمَا . قُلْت :
وَحَدِيثُ الْبَابِ أَشَدُّ لِأَنَّ فِيهِ مَعَ كَتْمِ الْعِتْقِ
أَوْ جَحْدِهِ الْعَمَل بِمُقْتَضَى ذَلِكَ مِنْ الْبَيْعِ وَأَكْلِ الثَّمَنِ
فَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْوَعِيدُ عَلَيْهِ أَشَدَّ ,
قَالَ الْمُهَلَّبُ : وَإِنَّمَا كَانَ إِثْمُهُ شَدِيدًا لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ
أَكْفَاءُ فِي الْحُرِّيَّةِ ,
فَمَنْ بَاعَ حُرًّا فَقَدْ مَنَعَهُ التَّصَرُّفَ فِيمَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ
وَأَلْزَمَهُ الذُّلَّ الَّذِي أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ .
وَقَالَ اِبْنُ الْجَوْزِيِّ : الْحُرُّ عَبْدُ اللَّهِ ,
فَمَنْ جَنَى عَلَيْهِ فَخَصْمُهُ سَيِّدُهُ .
وَقَالَ اِبْنُ الْمُنْذِرِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ مَنْ بَاعَ حُرًّا
أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ , يَعْنِي إِذَا لَمْ يَسْرِقْهُ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ ,
إِلَّا مَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ تُقْطَعُ يَدُ مَنْ بَاعَ حُرًّا قَالَ :
وَكَانَ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْحُرِّ خِلَافٌ قَدِيمٌ ثُمَّ اِرْتَفَعَ ,
فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ :
مَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ عَبْدٌ فَهُوَ عَبْدٌ .
قُلْتُ : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِيمَنْ لَمْ تُعْلَمْ حُرِّيَّتُهُ ,
لَكِنْ رَوَى اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ "
أَنَّ رَجُلًا بَاعَ نَفْسَهُ فَقَضَى عُمَرُ بِأَنَّهُ عَبْدٌ وَجَعَلَ ثَمَنَهُ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ " وَمِنْ طَرِيقِ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى
أَحَدُ التَّابِعِينَ
أَنَّهُ بَاعَ حُرًّا فِي دَيْنٍ ,
وَنَقَلَ اِبْنُ حَزْمٍ أَنَّ الْحُرَّ كَانَ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ حَتَّى نَزَلَتْ
( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ )
وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ رِوَايَةِ زُرَارَةَ ,
وَلَا يُثْبِتُ ذَلِكَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَاسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْمَنْعِ .
قَوْلُهُ :
( وَرَجُلٌ اِسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ )
هُوَ فِي مَعْنَى مِنْ بَاعَ حُرًّا وَأَكَلَ ثَمَنَهُ
لِأَنَّهُ اِسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَكَأَنَّهُ أَكَلَهَا ,
وَلِأَنَّهُ اِسْتَخْدَمَهُ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ وَكَأَنَّهُ اِسْتَعْبَدَهُ .
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه أجمعين
ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ
عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
قَالَ اللَّهُ ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ
وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ
وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ
وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ )
هُوَ بِشْرُ بْنُ عُبَيْسٍ بِمُهْمَلَةِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرًا
بْنُ مَرْحُومِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مِهْرَانَ الْعَطَّارُ
فَنُسِبَ إِلَى جَدِّهِ ,
وَهُوَ شَيْخٌ بَصْرِيٌّ مَاأَخْرَجَ عَنْهُ مِنْ السِّتَّةِ إِلَّا الْبُخَارِيَّ , وَقَدْ أَخْرَجَحَدِيثَهُ هَذَا فِي الْإِجَارَةِ
عَنْ شَيْخٍ آخَرَ وَافَقَ بِشْرًا فِي رِوَايَتِهِ لَهُ عَنْ شَيْخِهِمَا .
قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ )
بِالتَّصْغِيرِ هُوَ الطَّائِفِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ ,
وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ مَوْصُولًا سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ ,
وَذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ ,
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ إِنَّمَا وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ خَاصَّةً ,
وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ رِوَايَتِهِ ,
وَاتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ
مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ,
وَخَالَفَهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ فَقَالَ "
عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ "
قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْمَحْفُوظُ قَوْلُ الْجَمَاعَةِ .
قَوْلُهُ : ( ثَلَاثَةٌ : أَنَا خَصْمُهُمْ )
زَادَ اِبْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ " وَمَنْ كُنْت خَصْمَهُ خَصَمْته "
قَالَ اِبْنُ التِّينِ :
هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَصْمٌ لِجَمِيعِ الظَّالِمِينَ
إِلَّا أَنَّهُ أَرَادَ التَّشْدِيدَ عَلَى هَؤُلَاءِ بِالتَّصْرِيحِ ,
وَالْخَصْمُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى الِاثْنَيْنِ
وَعَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ,
وَقَالَ الْهَرَوِيُّ الْوَاحِدُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ ,
وَقَالَ الْفَرَّاءُ الْأَوَّلُ قَوْلُ الْفُصَحَاءِ ,
وَيَجُوزُ فِي الِاثْنَيْنِ خَصْمَانِ وَالثَّلَاثَةِ خُصُومٌ .
قَوْلُهُ : ( أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ )
كَذَا لِلْجَمِيعِ عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ وَالتَّقْدِيرُ
أَعْطَى يَمِينَهُ بِي أَيْ عَاهَدَ عَهْدًا وَحَلَفَ عَلَيْهِ بِاللَّهِ ثُمَّ نَقَضَهُ .
قَوْلُهُ : ( بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ )
خَصَّ الْأَكْلَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَقْصُودٍ ,
وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا " ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُمِنْهُمْ صَلَاةٌ " فَذَكَرَ فِيهِمْ "
وَرَجُلٌ اِعْتَبَدَ مُحَرَّرًا "
وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِفِي الْفِعْلِ وَأَخَصُّ مِنْهُ فِي الْمَفْعُولِ بِهِ , قَالَالْخَطَّابِيُّ : اِعْتِبَادُ الْحُرِّ يَقَعُ بِأَمْرَيْنِ :
أَنْ يَعْتِقَهُ ثُمَّ يَكْتُمَ ذَلِكَ أَوْ يَجْحَدَ ,
وَالثَّانِي أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ كُرْهًا بَعْدَ الْعِتْقِ ,
وَالْأَوَّلُ أَشَدُّهُمَا . قُلْت :
وَحَدِيثُ الْبَابِ أَشَدُّ لِأَنَّ فِيهِ مَعَ كَتْمِ الْعِتْقِ
أَوْ جَحْدِهِ الْعَمَل بِمُقْتَضَى ذَلِكَ مِنْ الْبَيْعِ وَأَكْلِ الثَّمَنِ
فَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْوَعِيدُ عَلَيْهِ أَشَدَّ ,
قَالَ الْمُهَلَّبُ : وَإِنَّمَا كَانَ إِثْمُهُ شَدِيدًا لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ
أَكْفَاءُ فِي الْحُرِّيَّةِ ,
فَمَنْ بَاعَ حُرًّا فَقَدْ مَنَعَهُ التَّصَرُّفَ فِيمَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ
وَأَلْزَمَهُ الذُّلَّ الَّذِي أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ .
وَقَالَ اِبْنُ الْجَوْزِيِّ : الْحُرُّ عَبْدُ اللَّهِ ,
فَمَنْ جَنَى عَلَيْهِ فَخَصْمُهُ سَيِّدُهُ .
وَقَالَ اِبْنُ الْمُنْذِرِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ مَنْ بَاعَ حُرًّا
أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ , يَعْنِي إِذَا لَمْ يَسْرِقْهُ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ ,
إِلَّا مَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ تُقْطَعُ يَدُ مَنْ بَاعَ حُرًّا قَالَ :
وَكَانَ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْحُرِّ خِلَافٌ قَدِيمٌ ثُمَّ اِرْتَفَعَ ,
فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ :
مَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ عَبْدٌ فَهُوَ عَبْدٌ .
قُلْتُ : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِيمَنْ لَمْ تُعْلَمْ حُرِّيَّتُهُ ,
لَكِنْ رَوَى اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ "
أَنَّ رَجُلًا بَاعَ نَفْسَهُ فَقَضَى عُمَرُ بِأَنَّهُ عَبْدٌ وَجَعَلَ ثَمَنَهُ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ " وَمِنْ طَرِيقِ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى
أَحَدُ التَّابِعِينَ
أَنَّهُ بَاعَ حُرًّا فِي دَيْنٍ ,
وَنَقَلَ اِبْنُ حَزْمٍ أَنَّ الْحُرَّ كَانَ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ حَتَّى نَزَلَتْ
( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ )
وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ رِوَايَةِ زُرَارَةَ ,
وَلَا يُثْبِتُ ذَلِكَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَاسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْمَنْعِ .
قَوْلُهُ :
( وَرَجُلٌ اِسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ )
هُوَ فِي مَعْنَى مِنْ بَاعَ حُرًّا وَأَكَلَ ثَمَنَهُ
لِأَنَّهُ اِسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَكَأَنَّهُ أَكَلَهَا ,
وَلِأَنَّهُ اِسْتَخْدَمَهُ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ وَكَأَنَّهُ اِسْتَعْبَدَهُ .