السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه أجمعين
عندما تكلمنا عن محنة الإمام البخاري رحمه الله،
قلنا: إنها محنة قديمة جديدة،
حيث ما زالت أمثالها وأضرابها تقع كل يوم
ولا يخلو منها عصر ولا جيل،
وقل من يسلم من التلوث بأدرانها.
ومحنة الإمام مالك
وإن كانت تختلف في فصولها عن محنة الإمام البخاري
إلا إنها أيضًا محنة قديمة جديدة
وما زالت تقع كل عصر وجيل،
ولكن بأسماء ومواقف مختلفة،
فمحنة الإمام مالك تتعلق بالدور المنوط لعلماء الأمة
في بيان الحق وتعليم العلم وإرشاد الناس
خاصة وقت النوازل،
والصبر على المكاره واحتمال المشاق والمصاعب
من أجل إظهار العلم وعدم كتمانه،
في ظل تهديدات السلطة الحاكمة
وطلبها الدائم بكتمان هذا العلم،
الذي قد يمثل إحراجًا وضغطًا على هذه السلطة،
كما إن للحسد والحقد دورًا بارزًا في أحداث المحنة
التي تعرض لها الإمام مالك رحمه الله،
وهذه هي أحداث وفصول هذه المحنة الأليمة.
نشأة الإمام مالك ومكانته:
كان مولد الإمام مالك بالمدينة النبوية
على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم،
وهي مهبط الوحي ودار الهجرة ومعدن الرسالة،
وفيها ظهر الحق وقامت الدولة،
ورفع منار الدين وانتشر،
ومنها فتحت البلاد وتواصلت الأجداد،
وبها مثوى الرسول صلى الله عليه وسلم
ومعه صاحباه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما،
وفيها البقيع حيث يرقد معظم أصحابه
والأخيار من المهاجرين الأولين والأنصار المباركين،
وفي المدينة كان الحق ناصعًا والدين خالصًا،
وعلى أنقابها ملائكة تحرسها
حتى لا يدخلها الدجال ولا الطاعون،
وفيها الفقهاء السبعة المشهورون،
ولم يزل الدين بها قائمًا والسنة معلومة والعلماء متوافرين.
وفي هذه البيئة الإيمانية والعلمية الخالصة
ولد الإمام مالك ونشأ وشب وترعرع بين جنباتها،
شق طريقه نحو حلق العلم والحديث،
وجلس لأساطير العلم وقتها
وكان مالك غلامًا عاقلاً حافظًا ثبتًا ضابطًا متقنًا برًا تقيًا،
وقد جلس لابن هرمز عالم المدينة سبع سنين كاملة،
تأثر خلالها مالك بأستاذه ابن هرمز كل التأثر،
ثم جلس لربيعة الرأي ونافع مولى ابن عمر
وحمل عنه ثمانين حديثًا
وعرفت روايته عنه ـ مالك عن نافع عن ابن عمر ـ
بالسلسلة الذهبية،
ودار مالك على علماء زمانه وسمع منهم،
وما زال مالك يرتقي في سلم العلم حتى درج إلى عليائه،
وصار إمام دار الهجرة وعلمها المقدم،
تضرب إليه أكباد الإبل من أقصى الأرض
لسماع علمه ونقل فتاويه ومسائله وآرائه،
وحمل كثير من العلماء الحديث
الذي أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل
يطلبون العلم فلا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة)
على الإمام مالك؛
حيث إنه لم يغادر المدينة أبدًا إلا للحج،
وهو الذي كان يأتيه طلاب العلم من كل مكان،
وهو في المدينة لا يخرج منها،
بل حاول عدة خلفاء من بني العباس كالمهدي والرشيد
إقناعه بالإقامة في بغداد وهو يأبى عليهم
ولا يرى غير المدينة مقرًا.
وقد أثنى عليه كبار الأئمة مثل الشافعي
الذي كان يصف الإمام مالك بالنجم الثاقب وقال عنه:
لم يبلغ أحد مبلغ مالك في العلم لحفظه وإتقانه وصيانته،
وقد جعلت مالكًا حجة بيني وبين الله عز وجل،
وقال عنه أحمد بن حنبل:
القلب يسكن إلى حديثه وإلى فتواه،
حقيق أن يسكن إليه،
مالك عندنا حجة لأنه شديد الاتباع للآثار التي تصح عنده،
وقال عنه الليث بن سعد وهو قرينه ونظيره في العلم
ولكنه لم يجد من يحمل عنه علمه قال عنه:
والله ما على وجه الأرض أحب إلي من مالك،
وعلم مالك علم نقي،
ومالك أمان لمن أخذ به من الأنام.
وكان للإمام مالك منزلة رهيبة عند الناس
تعدل بل تفوق منزلة الخلفاء والأمراء والولاة
وكان مجلس درسه تحدوه السكينة والوقار والمهابة،
لا يجرؤ فيه أحد على لغو ولا لغط،
وإذا سأل سائل فأجابه لم يسأل عن الدليل ولا يطالب ببرهان،
ولا يملك أحد أن يراجعه في جواب،
حتى دخل على مجلسه يومًا أحد طلاب العلم الوافدين
لسماع حديثه فوجد مجلسًا عامرًا بالهيبة والسكينة
يعلوه الوقار فأنشد قائلاً:
يدع الجواب فلا يراجع هيبـة والسائلـون نواكس الأذقـان
أدب الوقار وعز سلطان التقى فهو المطاع وليس ذا سلطان
ولد مالك سنة 93 ومات سنة 179هـ
أي إنه أدرك بهذا العمر الطويل المبارك الدولتين الإسلاميتين:
الأموية والعباسية،
والتي كانت كل واحدة منهما تحكم باسم الخلافة،
بينما الواقع أن كلاهما كان ملكًا عضوضًا،
يتوارثه الأبناء عن الآباء ويعضون عليه بالنواجذ،
وهذه الطريقة في الحكم كان لها كثير من المعارضين والمخالفين، بعضهم بلسانه وقلمه والآخر بسيفه وترسه،
وهذه المعارضة الأخيرة يعني المسلحة أخذت تتنامى شيئًا فشيئًا،
حتى قامت المعارضة العباسية بقلب الدولة الأموية
وإقامة دولتها مكانها،
وذلك بعد ويلات وأهوال وشدائد ودماء مئات الآلاف
التي تخضبت بها أرض خراسان والعراق والشام،
وإن بقت الحجاز بمنأى عن هذه الأحداث الملتهبة
فهي مستكينة وتبع لمن غلب
منذ أحداث الحرة الأليمة سنة 61هـ،
هذه الأحداث المتلاحقة جعلت العباسيين
يشتدون مع معارضيهم حتى أنسوا الناس معنى العفو والصفح،
فأدنى محاولة للخروج أو التلويح به
أو حتى مجرد التلميح بالقول أو الفعل
كان بنو العباس يقمعونها بمنتهى الشدة،
ويأخذون البريء بالمذنب والقاعد بالساعي والبعيد بالقريب.
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه أجمعين
عندما تكلمنا عن محنة الإمام البخاري رحمه الله،
قلنا: إنها محنة قديمة جديدة،
حيث ما زالت أمثالها وأضرابها تقع كل يوم
ولا يخلو منها عصر ولا جيل،
وقل من يسلم من التلوث بأدرانها.
ومحنة الإمام مالك
وإن كانت تختلف في فصولها عن محنة الإمام البخاري
إلا إنها أيضًا محنة قديمة جديدة
وما زالت تقع كل عصر وجيل،
ولكن بأسماء ومواقف مختلفة،
فمحنة الإمام مالك تتعلق بالدور المنوط لعلماء الأمة
في بيان الحق وتعليم العلم وإرشاد الناس
خاصة وقت النوازل،
والصبر على المكاره واحتمال المشاق والمصاعب
من أجل إظهار العلم وعدم كتمانه،
في ظل تهديدات السلطة الحاكمة
وطلبها الدائم بكتمان هذا العلم،
الذي قد يمثل إحراجًا وضغطًا على هذه السلطة،
كما إن للحسد والحقد دورًا بارزًا في أحداث المحنة
التي تعرض لها الإمام مالك رحمه الله،
وهذه هي أحداث وفصول هذه المحنة الأليمة.
نشأة الإمام مالك ومكانته:
كان مولد الإمام مالك بالمدينة النبوية
على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم،
وهي مهبط الوحي ودار الهجرة ومعدن الرسالة،
وفيها ظهر الحق وقامت الدولة،
ورفع منار الدين وانتشر،
ومنها فتحت البلاد وتواصلت الأجداد،
وبها مثوى الرسول صلى الله عليه وسلم
ومعه صاحباه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما،
وفيها البقيع حيث يرقد معظم أصحابه
والأخيار من المهاجرين الأولين والأنصار المباركين،
وفي المدينة كان الحق ناصعًا والدين خالصًا،
وعلى أنقابها ملائكة تحرسها
حتى لا يدخلها الدجال ولا الطاعون،
وفيها الفقهاء السبعة المشهورون،
ولم يزل الدين بها قائمًا والسنة معلومة والعلماء متوافرين.
وفي هذه البيئة الإيمانية والعلمية الخالصة
ولد الإمام مالك ونشأ وشب وترعرع بين جنباتها،
شق طريقه نحو حلق العلم والحديث،
وجلس لأساطير العلم وقتها
وكان مالك غلامًا عاقلاً حافظًا ثبتًا ضابطًا متقنًا برًا تقيًا،
وقد جلس لابن هرمز عالم المدينة سبع سنين كاملة،
تأثر خلالها مالك بأستاذه ابن هرمز كل التأثر،
ثم جلس لربيعة الرأي ونافع مولى ابن عمر
وحمل عنه ثمانين حديثًا
وعرفت روايته عنه ـ مالك عن نافع عن ابن عمر ـ
بالسلسلة الذهبية،
ودار مالك على علماء زمانه وسمع منهم،
وما زال مالك يرتقي في سلم العلم حتى درج إلى عليائه،
وصار إمام دار الهجرة وعلمها المقدم،
تضرب إليه أكباد الإبل من أقصى الأرض
لسماع علمه ونقل فتاويه ومسائله وآرائه،
وحمل كثير من العلماء الحديث
الذي أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل
يطلبون العلم فلا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة)
على الإمام مالك؛
حيث إنه لم يغادر المدينة أبدًا إلا للحج،
وهو الذي كان يأتيه طلاب العلم من كل مكان،
وهو في المدينة لا يخرج منها،
بل حاول عدة خلفاء من بني العباس كالمهدي والرشيد
إقناعه بالإقامة في بغداد وهو يأبى عليهم
ولا يرى غير المدينة مقرًا.
وقد أثنى عليه كبار الأئمة مثل الشافعي
الذي كان يصف الإمام مالك بالنجم الثاقب وقال عنه:
لم يبلغ أحد مبلغ مالك في العلم لحفظه وإتقانه وصيانته،
وقد جعلت مالكًا حجة بيني وبين الله عز وجل،
وقال عنه أحمد بن حنبل:
القلب يسكن إلى حديثه وإلى فتواه،
حقيق أن يسكن إليه،
مالك عندنا حجة لأنه شديد الاتباع للآثار التي تصح عنده،
وقال عنه الليث بن سعد وهو قرينه ونظيره في العلم
ولكنه لم يجد من يحمل عنه علمه قال عنه:
والله ما على وجه الأرض أحب إلي من مالك،
وعلم مالك علم نقي،
ومالك أمان لمن أخذ به من الأنام.
وكان للإمام مالك منزلة رهيبة عند الناس
تعدل بل تفوق منزلة الخلفاء والأمراء والولاة
وكان مجلس درسه تحدوه السكينة والوقار والمهابة،
لا يجرؤ فيه أحد على لغو ولا لغط،
وإذا سأل سائل فأجابه لم يسأل عن الدليل ولا يطالب ببرهان،
ولا يملك أحد أن يراجعه في جواب،
حتى دخل على مجلسه يومًا أحد طلاب العلم الوافدين
لسماع حديثه فوجد مجلسًا عامرًا بالهيبة والسكينة
يعلوه الوقار فأنشد قائلاً:
يدع الجواب فلا يراجع هيبـة والسائلـون نواكس الأذقـان
أدب الوقار وعز سلطان التقى فهو المطاع وليس ذا سلطان
ولد مالك سنة 93 ومات سنة 179هـ
أي إنه أدرك بهذا العمر الطويل المبارك الدولتين الإسلاميتين:
الأموية والعباسية،
والتي كانت كل واحدة منهما تحكم باسم الخلافة،
بينما الواقع أن كلاهما كان ملكًا عضوضًا،
يتوارثه الأبناء عن الآباء ويعضون عليه بالنواجذ،
وهذه الطريقة في الحكم كان لها كثير من المعارضين والمخالفين، بعضهم بلسانه وقلمه والآخر بسيفه وترسه،
وهذه المعارضة الأخيرة يعني المسلحة أخذت تتنامى شيئًا فشيئًا،
حتى قامت المعارضة العباسية بقلب الدولة الأموية
وإقامة دولتها مكانها،
وذلك بعد ويلات وأهوال وشدائد ودماء مئات الآلاف
التي تخضبت بها أرض خراسان والعراق والشام،
وإن بقت الحجاز بمنأى عن هذه الأحداث الملتهبة
فهي مستكينة وتبع لمن غلب
منذ أحداث الحرة الأليمة سنة 61هـ،
هذه الأحداث المتلاحقة جعلت العباسيين
يشتدون مع معارضيهم حتى أنسوا الناس معنى العفو والصفح،
فأدنى محاولة للخروج أو التلويح به
أو حتى مجرد التلميح بالقول أو الفعل
كان بنو العباس يقمعونها بمنتهى الشدة،
ويأخذون البريء بالمذنب والقاعد بالساعي والبعيد بالقريب.