السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في بداية الحديث
عن تاريخ المحن التي تعرض لها علماء الأمة،
وسأبدأ سلسلة محن علمائنا وائمتنا الاجلاء
فى اول تلك السلسلة
لا يسعنا الحديث إلا أن نبدأه بأشد هذه المحن
وأعظمها وأخطرها،
ألا وهي محنة القول بخلق القرآن،
والتي تعرض لها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله،
وهي المحنة التي تأتي على رأس قائمة المحن
التي تعرض لها علماء الأمة الربانيون،
وعلى الرغم من وجود العديد من المحن الشديدة
والتي تعرض لها كبار علماء الأمة،
إلا أننا آثرنا أن نبدأ الحديث بهذه المحنة العاتية
وذلك لعدة أسباب:
1ـ أن هذه المحنة كانت في باب العقيدة
أي في صميم قلب الأمة،
وفي أصل قوتها ومصدر عزتها،
وكان أهل الاعتزال هم من وراء هذه المحنة والفتنة.
2ـ أن الدولة بكافة أجهزتها ورجالها وقوتها
كانت تدعم هذه المحنة،
حيث استطاع بعض أهل الاعتزال
مثل بشر المريسي وأحمد بن أبي دؤاد وغيرهما
من خداع ثلاثة خلفاء عباسيين متتاليين وهم:
المأمون ثم المعتصم ثم الواثق،
وإقناعهم بتبني عقيدة الاعتزال الضالة والمليئة بالبدع الغليظة،
وليس فقط مجرد التبني والاعتناق،
ولكن وإجبار الناس على ذلك الضلال
ولو بالقوة وحد السلطة التي لا تطيق عادة
أن تخالف أو يتحدى سلطانها
أي أحد مهما كانت مكانته وعلمه.
3ـ أن هذه المحنة العاتية لم تكن خاصة بالإمام أحمد وحده،
وإن كان قد تحمل عبأها الأكبر وحده،
بل كانت محنة عامة وفتنة شاملة،
طالت الكبير والصغير، العالم والعامي،
الأحرار والعبيد،
حتى الأسارى عند الأعداء كانوا يمتحنون
على القول بخلق القرآن،
فإن أجابوا وإلا تركوا رهن الأسر عند العدو
ولم تفتكهم الدولة.
4ـ أن هذه المحنة عندما وقعت لم يصمد فيها سوى
الإمام أحمد بن حنبل،
أما باقي العلماء فأغلبهم قد أجاب فيها كرهًا
وبعضهم قد مات تحت وطأة التعذيب في سجن المبتدعة
مثل البويطي ومحمد بن نوح ونعيم بن حماد،
وكان صمود الإمام أحمد أعظم فصول هذه المحنة،
وسبب تقدمه وشهرته ورفع ذكره،
حتى صارت الإمامة مقرونة باسمه في لسان كل أحد فيقال:
قال الإمام أحمد وهذا مذهب الإمام أحمد،
ولو قدر الله عز وجل ولم يصمد الإمام أحمد في هذه المحنة
لضل خلق كثير ولربما الأمة كلها
والله أعلم،
لذلك قال المزني رحمه الله:
(عصم الله الأمة
بأبي بكر يوم الردة
وبأحمد بن حنبل يوم المحنة).
التعريف به:
هو الإمام حقًا، وشيخ الإسلام صدقًا،
وإمام أهل السنة، الفقيه المحدث،
والقلم الجبل، وركن الدين،
وإمام المسلمين، وصاحب رابع المذاهب الفقهية المتبوعة،
الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني،
أحد كبار أئمة الإسلام.
وُلد في ربيع الأول سنة 164هـ بمرو،
وقد مات أبوه وهو جنين في بطن أمه فتحولت به إلى بغداد،
وطلب العلم وهو في سن الخامسة عشرة،
أي سنة 179هـ أي في نفس العام
الذي مات فيه الإمام مالك،
وعني بطلب الحديث وبرع فيه للغاية،
وطاف الأقاليم وجمع الحديث من الثقات الأعلام،
وتفرغ لطلب العلم
وجمع الأحاديث حتى إنه لم يتزوج إلا بعد الأربعين،
حتى بلغ عدد مروياته من الأحاديث
والآثار ألف ألف حديث كما قال ذلك الحافظ أبو زرعة،
حتى عدوه من أحفظ علماء الإسلام قاطبة.
خصاله:
كان الإمام أحمد موصوفًا بالكمال من الرجال،
فلقد كان أهلاً بخصاله وأخلاقه وشمائله الجمة
أن يصمد في وجه هذه المحنة الهائلة،
فلقد كان على طراز علماء الأمة الربانيين
الذين كمل حالهم في العلم والعمل،
فلقد كان عابدًا ناسكًا ورعًا تقيًا نقيًا خالصًا مخلصًا،
في غاية الزهادة والخشوع،
أتاه من أموال الدنيا مما يحل أخذه بالآلاف
وهو يرد ذلك كله، وعرضت عليه المناصب والولايات،
وهو يفر منها فراره من الأسد،
يحيي ليله بالصلاة والذكر والدعاء والبكاء،
ويقضي نهاره في طلب العلم والدرس والفتيا،
وحاله الدنيوي على أضيق ما يكون،
لربما تأتي عليه عدة أيام لا يأكل من رقة الحال وانعدام المال،
ولا يغير ملابسه لعدة سنوات،
حتى إنه قد احتاج لأن يرهن نعله عند خباز،
وأكرى نفسه من جمَّالين ليجد نفقة رحلته العلمية إلى اليمن،
ومع ذلك فقلبه عامر بالإيمان،
يتبرك الناس برؤيته والسلام عليه،
ولقد حج خمس مرات منها ثلاث مرات ماشيًا على رجليه،
وكان يصلي كل ليلة ثلاثمائة ركعة،
فلما امتحن وأوذي بالسياط
كان يصلي مائة وخمسين ركعة في الليلة.
ومع شدة اجتهاده في العلم والعمل كان الخوف من الله عز وجل،
إذا ذكر الموت خنقته العبرة وامتنع عن الطعام والشراب،
وكان يكره الشهرة بشدة وينكر أيما نكير على المغالين فيه،
شديد الحب للفقراء والزهاد،
يقربهم ويجلهم فوق السلاطين والأعيان،
كثير التواضع، تعلوه السكينة والوقار،
عازفًا عن الدنيا وأهلها.
فصول المحنة
في بداية الحديث
عن تاريخ المحن التي تعرض لها علماء الأمة،
وسأبدأ سلسلة محن علمائنا وائمتنا الاجلاء
فى اول تلك السلسلة
لا يسعنا الحديث إلا أن نبدأه بأشد هذه المحن
وأعظمها وأخطرها،
ألا وهي محنة القول بخلق القرآن،
والتي تعرض لها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله،
وهي المحنة التي تأتي على رأس قائمة المحن
التي تعرض لها علماء الأمة الربانيون،
وعلى الرغم من وجود العديد من المحن الشديدة
والتي تعرض لها كبار علماء الأمة،
إلا أننا آثرنا أن نبدأ الحديث بهذه المحنة العاتية
وذلك لعدة أسباب:
1ـ أن هذه المحنة كانت في باب العقيدة
أي في صميم قلب الأمة،
وفي أصل قوتها ومصدر عزتها،
وكان أهل الاعتزال هم من وراء هذه المحنة والفتنة.
2ـ أن الدولة بكافة أجهزتها ورجالها وقوتها
كانت تدعم هذه المحنة،
حيث استطاع بعض أهل الاعتزال
مثل بشر المريسي وأحمد بن أبي دؤاد وغيرهما
من خداع ثلاثة خلفاء عباسيين متتاليين وهم:
المأمون ثم المعتصم ثم الواثق،
وإقناعهم بتبني عقيدة الاعتزال الضالة والمليئة بالبدع الغليظة،
وليس فقط مجرد التبني والاعتناق،
ولكن وإجبار الناس على ذلك الضلال
ولو بالقوة وحد السلطة التي لا تطيق عادة
أن تخالف أو يتحدى سلطانها
أي أحد مهما كانت مكانته وعلمه.
3ـ أن هذه المحنة العاتية لم تكن خاصة بالإمام أحمد وحده،
وإن كان قد تحمل عبأها الأكبر وحده،
بل كانت محنة عامة وفتنة شاملة،
طالت الكبير والصغير، العالم والعامي،
الأحرار والعبيد،
حتى الأسارى عند الأعداء كانوا يمتحنون
على القول بخلق القرآن،
فإن أجابوا وإلا تركوا رهن الأسر عند العدو
ولم تفتكهم الدولة.
4ـ أن هذه المحنة عندما وقعت لم يصمد فيها سوى
الإمام أحمد بن حنبل،
أما باقي العلماء فأغلبهم قد أجاب فيها كرهًا
وبعضهم قد مات تحت وطأة التعذيب في سجن المبتدعة
مثل البويطي ومحمد بن نوح ونعيم بن حماد،
وكان صمود الإمام أحمد أعظم فصول هذه المحنة،
وسبب تقدمه وشهرته ورفع ذكره،
حتى صارت الإمامة مقرونة باسمه في لسان كل أحد فيقال:
قال الإمام أحمد وهذا مذهب الإمام أحمد،
ولو قدر الله عز وجل ولم يصمد الإمام أحمد في هذه المحنة
لضل خلق كثير ولربما الأمة كلها
والله أعلم،
لذلك قال المزني رحمه الله:
(عصم الله الأمة
بأبي بكر يوم الردة
وبأحمد بن حنبل يوم المحنة).
التعريف به:
هو الإمام حقًا، وشيخ الإسلام صدقًا،
وإمام أهل السنة، الفقيه المحدث،
والقلم الجبل، وركن الدين،
وإمام المسلمين، وصاحب رابع المذاهب الفقهية المتبوعة،
الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني،
أحد كبار أئمة الإسلام.
وُلد في ربيع الأول سنة 164هـ بمرو،
وقد مات أبوه وهو جنين في بطن أمه فتحولت به إلى بغداد،
وطلب العلم وهو في سن الخامسة عشرة،
أي سنة 179هـ أي في نفس العام
الذي مات فيه الإمام مالك،
وعني بطلب الحديث وبرع فيه للغاية،
وطاف الأقاليم وجمع الحديث من الثقات الأعلام،
وتفرغ لطلب العلم
وجمع الأحاديث حتى إنه لم يتزوج إلا بعد الأربعين،
حتى بلغ عدد مروياته من الأحاديث
والآثار ألف ألف حديث كما قال ذلك الحافظ أبو زرعة،
حتى عدوه من أحفظ علماء الإسلام قاطبة.
خصاله:
كان الإمام أحمد موصوفًا بالكمال من الرجال،
فلقد كان أهلاً بخصاله وأخلاقه وشمائله الجمة
أن يصمد في وجه هذه المحنة الهائلة،
فلقد كان على طراز علماء الأمة الربانيين
الذين كمل حالهم في العلم والعمل،
فلقد كان عابدًا ناسكًا ورعًا تقيًا نقيًا خالصًا مخلصًا،
في غاية الزهادة والخشوع،
أتاه من أموال الدنيا مما يحل أخذه بالآلاف
وهو يرد ذلك كله، وعرضت عليه المناصب والولايات،
وهو يفر منها فراره من الأسد،
يحيي ليله بالصلاة والذكر والدعاء والبكاء،
ويقضي نهاره في طلب العلم والدرس والفتيا،
وحاله الدنيوي على أضيق ما يكون،
لربما تأتي عليه عدة أيام لا يأكل من رقة الحال وانعدام المال،
ولا يغير ملابسه لعدة سنوات،
حتى إنه قد احتاج لأن يرهن نعله عند خباز،
وأكرى نفسه من جمَّالين ليجد نفقة رحلته العلمية إلى اليمن،
ومع ذلك فقلبه عامر بالإيمان،
يتبرك الناس برؤيته والسلام عليه،
ولقد حج خمس مرات منها ثلاث مرات ماشيًا على رجليه،
وكان يصلي كل ليلة ثلاثمائة ركعة،
فلما امتحن وأوذي بالسياط
كان يصلي مائة وخمسين ركعة في الليلة.
ومع شدة اجتهاده في العلم والعمل كان الخوف من الله عز وجل،
إذا ذكر الموت خنقته العبرة وامتنع عن الطعام والشراب،
وكان يكره الشهرة بشدة وينكر أيما نكير على المغالين فيه،
شديد الحب للفقراء والزهاد،
يقربهم ويجلهم فوق السلاطين والأعيان،
كثير التواضع، تعلوه السكينة والوقار،
عازفًا عن الدنيا وأهلها.
فصول المحنة